إذا كنت على استعداد ولديك القـــدرة! إجعل العمل التطوعي هو " نداءك " في الحياة؟

9 فبراير 2013

إذا كنت على استعداد ولديك القـــدرة! إجعل العمل التطوعي هو " نداءك " في الحياة؟

اسمي محمد سرحان من مواليد في عام 1962 في الاراضي المحتلة في فلسطين. لقد ولدت لاجئاً وترعرعت في مخيّم الفر حان للاجئين بمدينة نابلس.

في اثناء سنوات طفولتي تم تطعيمــــي بما اعتقد بانه لقاح ضد شلل الاطفال ولكن اتضح انني قد تم حقني بفيروس شلل الاطفال. لم اكن الطفل الوحيد المصاب ، فقد كان هناك معي بضعة آلاف من الاخرين من الاطفال الفلسطينيين ممن عانوا التبعات. كانت والدتي على رفض للحالة وحاولت بشكل مكثف السعي للحصول على افضل رعاية طبية لي بما في ذلك العلاج الطبيعي وتقويم العمود الفقري وجراحة العظام. وكنتيجة مباشرة خضعت لخمس عمليات جراحية في محاولات لاعادة تاهيلي وبرغم ذلك ومن خلال دعمها المعنوي تولّد لدي الاحساس بانني استطيع انجاز اي شيء. استطاعت والدتي ان تغرس الثقة في نفسي وكانت دائما تقول: " إن إعاقتك الجسدية ظاهرة ولكن الاخرون لديهم عاهات خفية".

في عام 1967 وفي اعقاب حرب الايام الستة بين اسرائيل و جاراتها مصر والاردن وسوريا فرّ مئات الآلاف من الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغريبة من منازلهم. وارتفع عدد اللاجئين الفلسطينيين من 332 الف الى 745 الف. هاجرت وعائلتي الى الكويت حيث نشأت فيها.

كان يومي الاول في المدرسة مليء بالتحديات. كانت المدرسة من مدارس القطاع العام وكنت المعاق الوحيد فيها. ومع ذلك فانني في غاية الامتنان واقدّر الدعم الذي قدمه لي المعلمون وزملائي التلاميذ حيث عاملوني كغيري من التلاميذ ولم يولوا اهتماماً لاعاقتي.

بدأت خلال فترة المراهقة نشطاً في قضايا الاعاقة من خلال الانضمام الى النادي الكويتي للمعاقين وبدأت في ممارسة رياضة رفع الاثقال ولعب كرة السلة بواسطة الكرسي المتحرك. هذه الانشطة جعلتني اشعر بانني جزء من شيء ما. بعد تخرجي من الثانوية بدأت البحث عن العمل ولكن كانت فرص حصولي على عمل غير مضمونة.

ولكن في مرحلة من المراحل ظهر من لديه ايمان بقدراتي فقام بتشغيلي وكان ذلك الشخص مغترب سوداني يعمل في المؤسسة العربية لضمان الاستثمار التي كان مقرها في الكويت. بعد ثمان سنوات قررت مواصلة تعليمي العالي في الولايات المتحدة الامريكية. التحقت بجامعة ايست وست في شيكاغو ( EAST WEST CHICAGO UNIVERSITY ) حيث درست علوم الحاسوب وفي خلال نفس الفترة اندلعت حرب الخليج في عام 1991 وكان على عائلتي مغادرة الكويت والعودة الى الاردن حيث نعيش فيها في الوقت الحاضر.

ومن تلك الايام اتذكر انني كنت اعمل بائعاً متجولاً للعطور وسائقاً للتاكسي. تعلمت الكثير من خلال هذه التجارب ولكن الذهاب الى الجامعة من الساعة الثامنة صباحاً الى الساعة الثالثة ظهرا ومن ثم مزاولة العمل من الساعة الرابعة مساءً الى الساعة الرابعة صباحا كان امراً مجهداً ومتعباً. شعرت بان ذلك النوع من الحياة غير ذي جدوى فقررت اكمال دراستي والرجوع الى الاردن باسرع ما يمكن.

في الاردن عملت مع شركات مختلفة الى أن التحقت في احد الايام بوكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ( UNRWA ) حيث عملت فيها على مدى 15 عاماً. وخلال تلك الفترة صرت واحداً ممن يشكلون دورا محورياً في تطوير ومراجعة سياسة الانروا الخاصة بالمعاقين. بعد ذلك منحت الخيار في أن أذهب الى السودان واكون عضوا ضمن متطوعي الامم المتحدة في اليوناميد. لم اتردد في قبول هذا العرض بالرغم من كثرة الناس الذين حاولوا اثنائي واخبروني بان ذلك ليس بالخيار الجيد نظراً للظروف الصعبة. رفضت السماع لكلام الرافضين وقلت لهم بانني لدي الرغبة والقدرة! ان حياتي كلها مليئة بالتحديات والمتاعب وليست دارفور بمختلفة عنها.

أنا الآن احد متطوعي الامم المتحدة اعمل في قسم الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ( الموارد البشرية ) في اليوناميد. ومع كل هذا، وحالما وصلت الى دارفور، ادركت ان هنالك الكثير من ما يجب تقديمه لهذا المجتمع وأنني في حاجة الى البدء في مناصرة القضية التي كرست جل حياتي لأجلها: الاشخاص المعاقين.

لقد كنت دائماً متحمساً للعمل التطوعي وقد بدأ ذلك من الاسرة والمسجد حيث كنا نقدم المساعدة لكل من يحتاجها ضمن زقاقنا . أتخيل تلك كانت الطريقة التي تربيت عليها، كما يقول الكثيرون. ومع تقدمي في العمر, ادركت انني آخذ الكثير من العمل التطوعي اكثر من إمكانياتي في العطاء، حيث ينتابني الاحساس بصلاح العمل ويجعلني أشعر بالرضى عن الحياة وعن نفسي.

كانت تلك هي البداية. عند ما اقتربت يوماً، وانا في طريقي الى السوق، من طفلٍ معاق اعتدت مشاهدته وهو يحبو على الرمال ويتسول المال من المارّة. كان ذلك المنظر يزعجني كلما شاهدت هذا الطفل فتعلق المشهد في ذاكرتي فقلت لنفسي: " ماذا ينبغي عليّ ان اعمل؟ " وبذلك بدأت ابحث عن نادٍ للمعاقين في دارفور فعثرت عليه وهو يفتح ابوابه كل يوم من الساعة 12 صباحاً وحتى الخامسة مساءً لذوي الاعاقة من ثلاث فئات مختلفة: الصـــم والعمـــى والمعاقين جسدياً.

ولدهشتي، عند ما زرت النادي لاول مرة وجدته مكاناً متواضعاً جداً. ولكن وببذل الكثير من الجهد والطاقة استطاعت مرافق النادي تقديم الكثير من الخدمات من قبيل الرعاية الاجتماعية والتدريب واعادة التأهيل. وكانت الورشة اكثر ما جذبني، فهي غرفة متواضعة وبالرغم من افتقارها للادوات والمعدات المناسبة الا انها مزودة بماكينة لحام واخرى للثقب حيث يقومون بتحوير الكراسي المتحركة بحيث يمكن دفعها بواسطة اليد باستخدام نظام الدراجة الهوائية وكذلك بعض الاطراف الاصطناعية. اما النساء فيقمن بممارسة بعض الحرف اليدوية ويبدو النادي وكانه مصنع صغير.

ان هذه الزيارة زادت من رغبتي في العمل من اجل مجتمع المعاقين في دارفور وهذا هو الدافع في انني اعمل بنشاطٍ مع ادارة النادي لرفع الوعي واستقطاب الاموال لاقامة مشروع يستهدف تمكين انشطة المعاقين في الورشة وفي المركز الصحي التاهيلي. تلقينا حتى الآن استجابة جيدة ولاسيما العرض الذي تلقيناه من الحكومة المحلية المتمثلة في نقل منشآت النادي الى موقع آخر. لا زال هنالك الكثير مما يجب عمله حتى يتمكن النادي من تقديم الخدمات التي يحتاجها ويستحقها المجتمع الدارفوري.

ساعمل كلما بوسعي لنشر الفكر المتعلق بقبول الاخرين. انني اؤمن " بان الإعاقة هي الاذى الذي ينتج عن الحواجز التي تؤثر على الاشخاص الذين يعانون من عاهات". ومعنى هذه الحواجز هو أن الاشخاص المعاقين عادة ما يتم اقصاؤهم من المجتمع. علينا ان نبذل جهدا جباراً لوضع حد لهذا الاقصاء وتغيير فكرة ان الاشخاص المعاقين هم اقل قدرة واقل كفاءة. نحن معشر المعاقين موهوبون ونابغون كما انتم.